اقترابٌ من الغُروبِ أم شروقٌ جديد؟
الاحتفال بعيد الميلاد
هو طقس أو عادة تبدأُ من الطفولة، من يحتفلون بأعياد ميلادهم ويهتمون بذاك اليوم
غالبا ماتكون أُسَرُهُم قد عَوَّدَتهم على ذلك، أو الثقافة التي تُحيط بهم، أما
الذين لا يعتبرونه أصلا مناسبة فقد ترعرعوا في وسط لا يؤمن بأن تاريخ ميلاد الشخص
له معنى أو لِوَسطم قناعات معينة ترفض الأمر، فالثقافات تختلف، إلا أن أفكار الفرد
قد تتغير مع السنين، فتجد مثلا من يرفض الاحتفال بعيده -لأسباب خاصة قد لا يبوح
بها أبدا- رغم أنه كَــــــــبُرَ في وسط لطالما احتفل به، وآخَرَ يبدأُ هذا الطقس
بعد أن يصبح شابا مستقلا أو بعد أن
يُكَونَ أسرة ًرغم أنه نشَأَ في وسط لم يحتفل به يوما.
يجوزُ وصفُ عيد
الميلاد بأنه مناسبة تتعانقُ فيها مشاعر مُتناقضة، احتفالٌ ممزوج بحزن غريب.
سواءٌ أَكُـــــنْتَ ممن يحتفلون بعيد ميلادهم أو لم تَــــكُنْ، فلا أحد يُنكر أنه
يقف وجها لوجه مع نفسه كلما تقدّمَ به العمر، ولا شيء يُذكرنا أننا نتقدم في العمر
أكثرُ من عيد الميلاد.تاريخٌ معينٌ يُذكرنا بعدد السنوات التي قضيناها في
هذه الحياة، ويسألنا بوقاحةٍ: "هل أنتَ في الوضع الذي كنتَ تطمح له؟ أم ليس
بعد؟" سؤال تختلف إجابته من شخص لآخر.. ولو أن السؤال الأنسب منه هو:
"هل سنكون أبدا في وضع يُشعِرُنا بالاِكــــتِفاء؟ أم أننا سنشعر دوما أن
شيئا ما يَنْقُصنا؟"
اذا اعتبرنا أنَّ عيدَ
الميلادِ اقترابٌ من الغروب، فسيُصبح الاحتفال به أصعب مع كل سنة بل سنفكر
ألف مرة قبل أن نحتفل بشخص أو نقوم بتهنئته لأنه من المحتمل أننا سنضايقه، ولكن من
يهتـــمُّ بعيد الميلاد مثلي، يُقدر التهنئة والاحتفال، أجدُ أن الذين يتذكرونني
في ذاك اليوم أو يحتفلون بي، يُقدرون أنني على قيد الحياة! أنظرُ حولي وأشعرُ
بالامتنان لأنهم في حياتي، لا أنكرُ أنني أفكر لحظتها رُغما عني في الذين أردتُهُم
أن يكونوا معي أو ظننت أنهم سيكونون جزءً من حياتي ويومي المميز، ثم أطفئُ الشمعة ويقفز تفكيري حينها لتوقعات العيد السابق فتختلط أمنيتي مع
الأمنيات السابقة التي لم تتحقق بعد.الاحتفال بعيد ميلادي الأخير منذ أسبوع هو
الذي دفعني لكتابة كل هذا، بلغتُ الخامسة والعشرين من العمر، هذا السن المعين الذي
خططتُ له منذ أن كنت تلميذة في الثانوية، ووجدتُنِي أمامه غيرَ مستعدة له!
حين نًخطط لحياتنا
ونثقُ أننا قادرون على تحقيق أحلامنا، هل نكون بذلكَ أشخاصا توَّاقِين للحياة قادرين
على صُنع أقدارهم؟ أم مجرد حمقى و سُذَّج، لم يَعُوا بَعْد أنّ الحياة ستتلاعبُ بأحلامهم
وتمضغها أمام أعينهم! لا أملكُ إجابةً واضحةً
لأنني حائرةٌ مثلكم تماما أو حائرة كبعضكم لأنني أعرف أنّ عددا منكم مازال في
مرحلة الأحلام الوردية و التفاؤل الدائم. الأمر الـــمُحزن أنّ أحلاما كثيرةً تتضاءل
سنة بعد سنة، لا يوجد تفسيرٌ معقدٌ لهذا الأمر سوى حقيقة بسيطة وهي أن الحياة
معقدة! هذه الحقيقة التي يُـــواجهها كل واحد في لحظة معينة من حياته، فيتغير
بداخله شيءٌ ما إلى الأبد.
التخوف مما يخبئه الغد
قد يجعلنا نعيش السنوات الأولى من الشباب في توتر شبه دائم، فيُخيل لنا أن السنوات
تُسابقنا وعلينا أن نحقق شيئا ما بسرعة وأن نستقر لنشعر بالأمان وليزول هذا
التوتر، ولكن حتى إذا وجدنا الاستقرار الذي نريده وحققنا استقلالا ماديا مُرضيا،
هل سيزول التوتر؟ هل ستختفي كل هذه المشاعر المظلمة؟ الاحتمال الأكبر أنها لن تختفيَ
بشكل نهائي، فمَعَ التقدم في العمر قد نشعرُ كلّ عيد ميلاد أننا نقترب من الغروب،
وقد نشعر عندما نرى الشمعة أننا نستقبل شروقا جديدا! وهذا الاختلاف الهائل بين
الشعور الأول والثاني يتوقف على الكثير، على الحياة وتقلباتها بين عيد وعيد، وعلى
نجاحاتنا واخفاقاتنا وعلى الأشخاص الموجودين في حياتنا، ويتوقف بشكل كبير على
نظرتنا لأنفسنا لحظتها، فإذا كنت تُــــكِنُّ الكثير من الحب لنفسك حينها وتغمرك
الثقة بالنفس.. ستشعرُ أنكَ تُولد من جديد وأنك قادر على تحقيق أي شيء، أما اذا
كنت في أسوء حالاتك فستشعر أنك تكبر فقط! تقترب من نهايتك وهذا كل ما في الأمر.
هذه
التعقيدات كلها دفَعَتْني لأسألَ نفسي وأُزعجكم معي، هل عيدُ الميلادِ اقترابٌ من
الغُروب أم شروقٌ جديد؟ هل بداخلنا ما يكفي من التفاؤُلِ لنراه كل سنة شروقا جديدا
يُنير أرواحنا ويَـــعِدُنا أن القادم أجمل؟ أم أن هذا أمر مستحيل، فالتفاؤل
كالأحلام غالبا ما يتضاءل سنة بعد سنة.ولكن إذا نظرنا إليه بهذه السوداوية ما جدوى
الاحتفال به باعتباره مجرد تذكير سنوي أننا نقترب من نهايتنا؟ في نظري بما أن
الحياة معقدة يمكننا أن ننظر إلى
عيد الميلاد على أنه مزيج متناقض، اقتراب من الغروب وشروق جديد!
وجدة في ۱٥ آب ۲۰۲۱
0 تعليقات