لماذا نخشى عيد الحب؟
منذ خمس سنوات كنت أشتغل في مكتبة، وكتبتُ تحديدا في هذا
التاريخ: ١٤/٠٢/٢٠١٨ ذات عيد حب على حسابي في الأنستغرام هذا النص:
"عيد الحب بالنسبة للبعض ، لا يختلف كثيرا عن حفل الزفاف،
يتم التخطيط له منذ الصغر، أنا اُقدس وأحترم هذا اليوم جدا، أجد أن بوحا كثيرا
ينسابُ فيه، ومواقف تتطلب شجاعة تَحضرُ فيه، وأحيانا يكون بمثابة معجزة، أن تحب فهو أمر جميل، أما وجود عيد لتحتفل وتشارك مشاعرك مع من تحب فشيء أجمل.
لم يكن اليوم غائما، تناولتُ فطوري في مقهاي المفضل
وحدي، ألهمني الجو لكتابة شيء ما، فكتبت قصة قصيرة في دفتري الذي آخذه معي أينما
ذهبت، فكرتُ في بائع الورد، وفرحته في يوم كهذا، ثم خجل الشباب من حمل الورود أمام
المارة، فيضطرون لاخفائها كأنها
"ممنوعات" بطرق مضحكة أحيانا، قومٌ يشعرون بالعار من الحب!
في طريقي إلى المكتبة، مررت ببائع الورود المفضل لدي في
المدينة، كان جالسا وبجانبه شاب - قد يكون ابنه - يُحضّران الورود الحمراء بشكل أنيق، يفكران
برفع الثمن غالبا، منظر الورد كان مذهلا، إلا أن ضِيق الوقت منعني من التقاط صورة،
أما رواد المكتبة هذا اليوم، فغالبيتهم عشاق، أو طرف واحد يرغب أن يقتني هدية
للطرف الآخر في مدينة بعيدة، أحيانا لأحد لا يعرفون عنه الكثير، قد لا يُبادلهم
نفس الشعور، إلا أنني في كل الحالات أحببتُ اختيار الهدايا معهم، ومشاركتهم فرحتهم
وشوقهم، تعود بي الذاكرة لفرحة غابت وتفاصيل أخرى.. مضى اليوم سريعا، رأيتُ فيه
وجوها غريبة كثيرة، وثنائيات سعيدة، وأخرى ذابلة ككتاب مختبئ مُتعب.
مساءً، بعد إطلاق سراحي من المكتبة، توجهت لذات المقهى الصباحي المفضل لدي،
لأجد أبي في انتظاري، يُخرج لوح الشوكولاتة من جيبه، فأذوب كطفلة، وأتذكر أنه في
السنوات الفائتة، كل عام في مثل هذا اليوم، يكتب لي شيئا ما و يترك لي فوقه وردة
حمراء، وظللتُ طفلة أحلم بعيد حب مثالي، وكاد عيد الحب الفائت أن يكون مثاليا،
وسأظل ممتنة لذلك دوما. لم أعتقد أبدا بأن عيد الحب وأنا في الواحد والعشرين سيمر
بين العمل والمقهى المعتاد وأبي، أظنني أخذتُ حصتي من الحب في هذا العالم، ثم أن
ّجلسة مع أبي، الذي ظللتُ حبيبته في كل عيد، أيا كان مزاجي، وقصَّة شعري فهي جلسة
لا يُعلى عليها، لأن الحب في نهاية الأمر عطاء وتضحية، الحب هو أن تسعد لسعادة من
تُحب أيا كانت الظروف، أن تتعب كثيرا، من أجل لحظة عابرة ستظل في الذاكرة، الحب
أن تخجل من كل شيء، وأي شيء.. إلا الحب!
ملاحظة: عدتُ في استراحة الغذاء لالتقاط الصورة التي
ترونها"
أعود لما كتبتُ الآن وأشعر أنني لم أكن ممتنة بما فيه
الكفاية حينها، ربما لأنني كنت أشعر أن عيد الحب يخص العشاق فقط، ولكنني بعد هذه
السنوات أصبحت أعتقد أنه عيد احتفال بالحب أيا كان نوعه، في مجتمعنا هذا يصعب على
الكثيرين التعبير عن الحب، لذلك يُعارض البعض عيد الحب، ويحتفل به آخرون سرا، ما يدفعك لتتساءل.. ما
الذي يُخيفنا من الحب؟ وما الذي يمنعنا من التعبير عنه بـــحرية؟ ربما لأن الأسرة
في هذا المجتمع لا تُعوّدُ الطفل على كلمة "أحبك" ولا يرى ما يكفي من
المواقف المليئة بالعاطفة في المنزل، قد يعيش حياته كلها دون أن يخبر والديه ولو
مرة واحدة أنه يحبهما، ويمتد هذا لباقي العلاقات ليجد نفسه عاجزا عن التعبير بشكل
عادي وعفوي عن الحب، ويتجنب المناسبات التي يتحتم فيها عليه أن يُظهر مشاعره للطرف
الآخر، ويبرر هذا التجنب بالكثير من الأعذار، كأن يقول لنفسه مثلا "أنا لا أحتاج يوما كعيد الحب كي أثبت
أني أحب" ولكن الحياة تشغلنا أحيانا، حتى نجد أننا لا نهتم بما يكفي بمن
نحبهم، يأتي عيد الحب كفرصة لنحتفل بــحبنا، لنضع مشاغل الحياة جانبا ونعبر عن
امتناننا قليلا، فلماذا نقاوم مناسبة جميلة كهذه؟ وحين أقول نحتفل فأنا لا أعني
بالضرورة اقتناء الهدايا المكلفة، لأن العالم حوّل هذه المناسبة لفخ تجاري، ننفق فيه أكثر مما ينبغي، الحب أبسط من
كل هذا بل وأبعد من الماديات والشكليات، يمكنك أن تحتفل بعشاء بسيط، بنزهة على
الشاطئ، بجلسة في مقاهاكم المفضل، بالعودة إلى أول مكان جمعكما، برسالة ورقية
جميلة بخط اليد.. وأفكار كثيرة أخرى.
يُنظر إلى عيد الحب على أنه ليس من ثقافتنا، ولكن الحب
شعور عالمي، لا يمكن لثقافة معينة أن تحتكره، إلا أن سبب تسميته وتحديد تاريخه في
الرابع عشر من شهر فبراير له جذور تاريخية معينة، رغم أنها غير مؤكدة بشكل حاسم،
يُرجح أنه يعود إلى مهرجان روماني كان يسمى Lupercalia يُحتفل به في
منتصف فبراير، بمناسبة حلول الربيع وكان احتفالا بالخصوبة، إلا أنه كان عنيفا ودمويًا
يشمل طقوسا جنسية كتزويج الرجال باالنساء بشكل عشوائي بالإضافة إلى التضحية بالحيوانات،
كل هذا على أمل طرد الأرواح الشريرة وتجنب اندثار الخصوبة، إلا أن البابا جيلاسيوس
الأول ، منع الاحتفال بـمهرجان Lupercalia في نهاية
القرن الخامس، ويُشاع أن المهرجان تم استبداله بعيد القديس فالنتاين (عيد الحب)، بالنسبة للتسمية Valentine فربما تعود إلى كاهن قُتل حوالي 270 ميلادية على يد الإمبراطور كلوديوس الثاني
جوثيكوس، تقول الأسطورة أنه بعث رسالة إلى ابنة سجانه التي كان قد أشفاها من العمى
وأصبحت نوعا ما صديقته، ووقع رسالته بعبارة "from your Valentine"، بينما توجد روايات
أخرى تقول أن العيد سُمي على أسقف كان يدعى فالنتاين، ويُحتمل أن يكون الاثنان نفس
الشخص، وتقول حكاية أخرى وهي الأكثر شيوعا، أن فالنتاين كان قديسا تحدى أوامر
الإمبراطور وقام بتزويج العشاق سرًا، بينما منع الامبراطور الزواج لأنه كان يُفضل أن يكون جنوده عزابا، وهكذا
سُمي عيد الحب باسم هذا القديس، ويبقى الأصل الحقيقي لهذا العيد غامضا.
في النهاية لا توجد قواعد للحب أو للاحتفال به، مهما سخر
البعض من المشاعر وادعى أنها لا تهمه فهو يرغب سرا كأي إنسان سوي أن يكون محبوبا
وأن تكون لحياته قيمة ما عند المقربين منه، إلا إذا كان مختلا طبعا! فالحب هو
أعظم شعور إنساني، كل إنسان يُعبر عنه بطريقته الخاصة، وهذا أمر جميل، أما بالنسبة للاحتفال فلا أحد يفرض علينا أن
نحتفل بعيد الحب، ولكن إذا أردنا ذلك، فما المانع؟ من سنُؤذي بــحبنا مثلا؟
وجدة في ۱٤ شباط ٢٠٢۳
0 تعليقات