آخر وردة في الصدر
في صدر كلّ منا
بستان مُزهر، تَعصفُ به الحياة، فيذْبُل شيئا فشيئا، نُحب ونحلم ونُبدع وكلما
انهار شيء بنيناه نذبل معه، لكننا نرفض أن نستسلم، نحاول أكثر ونرغم أنفسنا على
النهوض إلى أن نصل لنهايتنا وتذبل آخر وردة في الصدر، بعد أن سقيناها وحاولنا
إبقاءها على قيد الحياة، نصرخ أنها ليست النهاية، أن الخافق سيظل نابضا، ولكن مهما
كنا أقوياء سننكسر في النهاية ونقف رغما عنا أمام الحقيقة الوحيدة في الوجود..
" الألم"
اختيار الملاذ هو
أول خطوة نحو النهاية.. إيجاد وهم الأمان، أن تطمئن أخيرا كأن تضع روحك تحت أنياب
قطار. أحسد كل أناني في هذا العالم، الأناني لا يثق أبدا ولا يعرف الولاء، أشرب
نخب كل وحيد، لن تنكسر أبدا ما دمت وحيدا.. لن تُطعن ولن تُجرح ولن تُهان. أن تكون
سيد نفسك هو أكبر انتصار.. يقولون أن الحب للأقوياء فقط ما الجدوى أن تكون قويا
بما يكفي كي تُحب إذا كنت ستنكسر في النهاية، وكم ستتحمل من انكسار حتى تعترف
أخيرا أنك وصلت لنهايتك ودفنت آخر وردة في صدرك.. يختصر محمود درويش كل هذا في
بيته الشعري " أنا العاشق السيء الحظ.. لا أستطيع الذهاب إليك و لا أستطيع
الرجوع إلي". يقولون الحب أعمى، أظنني أخيرا فهمت قصدهم الحب ليس أعمى في
كونه يجعلك تحب شخصا بكل عيوبه، لكل منا جانب مظلم، الحب أعمى لأنك لا ترى
وٌريقاتك وهي تذبل وتتساقط، لأنك لا تعي ما الذي تخسره في كل محاولة، الحب أعمى
لأنك لا ترى جروحك حتى تصل لنهايتك.
بداخلنا جميعا
فجوة، مهما حاولنا أن نملأها تظل فارغة.. نسافر في رحلة للبحث عن الذات، نعيد وضع
كل ما تعلمناه وآمنا به في موضع شك، نبني أنفسنا من الصفر، وتظل الفجوة كما هي،
يفسر البعض وجودها ببدايتنا، في البداية لا أحد اختار أن يولد، لا أحد اختار اسمه
أو وطنه، وبعد الولادة نتعلم كل شيء، الخطأ والصواب، المحرم والمباح، نتعلم كيف
نتصرف وكيف نتأقلم بل حتى كيف نشعر، تُوهمنا الحياة أننا نختار ونشق طريقنا
بأنفسنا ولكن على ما يبدو كل الاختيارات موجودة قبلنا، لذلك مهما غيرنا في أنفسنا
أو تمردنا على ما تعلمناه، مهما كسرنا وبنينا، تظل الفجوة كما هي. ويأتي الحب
ونتأكد حقا من مقدار عجزنا حين لا نستطيع أن نختار من سنحب. نقع في شباك الحب رغما
عنا، وكلما كبر الحب نشعر أن الفجوة تضأل، فنبدأ في تعرية كل شيء، ضعفنا، مخاوفنا،
عيوبنا، يفضح الحب كم نستطيع أن نغفر ونضحي ونتعود، وعند الانكسار تنفجر الفجوة مجددا، ونشعر بها
وهي تكبر أكثر فأكثر إلى أن تُصبح أكبر منا، ربما لا نختار من سنحب لكننا نغرق
بكامل ارادتنا، وكلما غرقنا أكثر كلما التف الحبل حول عنقنا أكثر، من المؤلم حقا
أن تكون نهاية الحبل بين يدي من نغرق لأجله.
أخبرني أبي ذات يوم
أن الحب هو أن تكون عاجزا عن أذية الآخر، تعريف بسيط للغاية، لكن الأذى بحر عميق
للغاية.
ما الذي يدفعنا أن
نكون أوفياء؟ لا أظنه الخوف من أذية الآخر ولا الخوف من ردة فعله حين يعرف ما
اقترفنا، سر الوفاء هو الاكتفاء.. أن تحب بكل ذرة فيك، أن تضع العالم في كفة ومن
تحب في كفة أخرى، الحب حين يُصبح لكل شيء طعم آخر، أن ترغب في أن تشاركهم أحلامك
أفراحك بل حتى أحلك مخاوفك.. الحب يمنح الحياة معنى، فكيف تُفضّل لذّة عابرة حين
تجد كل شيء في انسان واحد، كيف يحرك فيك عابر أي شعور حين تكون غارقا في الحب حتى
الثمالة، كيف يصبح الغزل كلاما كأي كلام إلا إذا نسجه من تحب.أجنحة العصافير لا
ترفرف بين قضبان القفص، والقلب أيضا لا يُحب مُرغما وحتما لا يكون وفيا مُرغما.
أجريمة أن تحلم
امرأة بالحب في هذا الوطن؟ حيث الأحكام المسبقة تُحاصرنا كالسيوف.. لا مكان لامرأة
تشعر دون خوف، لا مكان لامرأة تكتب دون خوف، لا مكان لامرأة تُحب الحياة وتُعانق
أحلامها. إما أن تكوني نسخة مكررة أو أن تعيشي أميرة نفسك، لا نبض بين ضلوعكِ لا
حلمَ إلاّ نجاحكِ. الحب ليس حاجة للاكتمال أو الأمان، الحب رغبةُ في العطاء..
أحيانا نملك كل شيء، نكون مستقلين تماما لا نحتاج لأحد، نبني حياتنا بعناية لكننا
نختار أن نتشاركها بكل تفاصيلها مع من نحب.. في وطني لا بد أن تكوني ضعيفة لا ظهر
لك كي يطمئن الرجل أنك حقا تحبينه، لأنه الملاذ الوحيد الذي تعرفينه، هذا اللجوء
ليس حبا.
فكيف نُبقي آخر
وردة في الصدر على قيد الحياة؟ وسط كل هذه الصراعات وكل الصفعات والخذلان، كيف
سننجو من كل هذا ويظل الخافق نابضا.. لا نستطيع أن ننكر أن الحقيقة الوحيدة في هذا
الوجود هي "الألم" كم متعب أن نظل نحاول رغم هذا اليقين، كيف نحلم
والكوابيس تسكننا؟ والخوف يحاصرنا.. ربما ليس بيدنا أن نغير كل هذا، ولكن
لنتذكر دوما أن لكل واحد منا حرب بداخله، فلا
تقتل الورد في صدر أحد!
وجدة في ٥- ١٢ -٢٠١٩
0 تعليقات