حتى تُفرقنا الموت
هل أحببت أحدا بقوة حتى فكرت
بينك وبين نفسك أنك تودُّ التّمسك به حتى تُفرقكما الموت؟ حتى آخر لحظة في حياتك!
ولكن أولا قبل أن نصل هذه النقطة، يجب أن نسأل أنفسنا، هل هذا هو الحب؟ الرغبة في
البقاء حتى النهاية! أم أن الروايات التي تتراكم في مكتباتنا والأفلام التي تحتل
مساحة شاسعة من ذاكرتنا هي التي رسمت هذه التوقعات العالية ووضعت هذه الشروط
القوية التي جعلتنا نضع الحب في خانة معينة حتى إذا ما كان شعورنا أقل بقليل من كل
هذا شككنا في حبنا وصدقه.
قد تبدو فكرة الموت بين أحضان
أحدهم كأنها فكرة حالمة وشاعرية ولا تمت بصلة للواقع، هذا التصور قد يكون مؤذيا
بشدة في علاقة يؤمن فيها الأول بهذه الفكرة ويسخر منها الثاني سرا دون أن يبوح
للأول، في الحقيقة يجب أن نفهم أنه ليس جريمة أن تكون واقعيا مُدركا لمطبات الحياة
ومنعطفاتها، متفهما تماما لمدى هشاشة الحب وسرعة انهياره بسبب أتفه الظروف وأضعفها.
وقد تكون أشد قساوة من هذا، مستعدا للانفصال في أية لحظة والاستمرار وحيدا أو مع آخر، بعد أن
وقفت أمام من تحب ونظرت إلى عيونه بكل لهفة العالم ووعدت أن تظلا معا في السراء
والضراء.. حتى تفرقكما الموت!
يُنظر للزواج كإعلان عن الحب
وإشهاره، ورغبة في تشارك الحياة وربما خلق أسرة، ولكن هذه ليست قاعدة، فقد يراه
البعض كاستثمار له دوافع مادية أو سياسية، وقد يتم اللجوء إليه خوفا من الوحدة أو
من نظرة المجتمع، بينما يتزوج البعض كي لا يسقط في الخطيئة من وجهة نظر ثقافته
المحافظة أو دينه. يَعتبر الكاثوليك الزواج مقدسا، رباطا لا ينحل، علاقة أبدية،
يصبح بفضلها الزوجان جسدا واحدا لا يقبل الانقسام، إلا أن هذه القيود لا تضمن
استمرار الرغبة في عيش الزوجين إلى الأبد.. حتى تفرقهما الموت! وأشهر مثال في
التاريخ هو قصة ملك انجلترا هنري الثامن الذي رفض البابا طلب طلاقه من زوجته
الأولى كاثرين أراغون عام 1534 مما أدى لانفصال إنجلترا عن الكنيسة البابوية.
الحياة ليست مستقرة، مثل مشاعرنا.. قد يدفعك الحب في لحظة أن تقطع وعودا كثيرة، وعودا أكبر منك، وعودا قد تسحقها الحياة في لمح البصر، وحتى إن لم تسحقها هي قد تستيقظ انت يوما ما فارغا من كل شيء، من رغبتك في البقاء، من لهفتك الحارقة ومن حبك الغامر، فكيف يمكننا أن نضمن رغبة الآخر الأبدية في البقاء معنا؟ كيف يمكننا أن نثق أن الحب لن يتلاشى؟ في حقيقة الأمر لا يمكننا أبدا أن نعيش في يقين كامل أو ثقة عمياء.
الحب مقامرة كبرى
والحياة مقامرة أكبر، الحب وحده حقا لا يكفي، يجب أن تتحقق تفاصيل أخرى كي يبقى
على قيد الحياة. قد ينجو أحدهم وحيدا ولا يربط سعادته بأحد أو يُفضل تعدد العشاق
في حياته، وقد يستقر آخر في علاقة ويستمر
فيها رغم غياب الحب أو انتهائه، ويُــــلعن كثيرون بالحب من طرف واحد، وقد يعيش
اثنان حبا عنيفا يحسدهما العالم عليه لكنه ينتهي بمأساة أو بعداوة أعنف منه، وقلة
قليلة تعرف الحب الذي قرأنا عنه وشاهدناه، ذاك الذي يظل متقدا حتى الموت!
وجدة في ۲٥ أيلول ٢٠٢٢
0 تعليقات