أحزانُ الصيفِ العابرة

أحزانُ الصيفِ العابرة

 

في يوم الجمعة الثاني من شهر غُشت، انتابني شعور مُريب للغاية، أنني أخطو بسرعة رهيبة نحو الخامسةِ والعشرين من العمر دون أن أشعر أنني أنجزتُ شيئا في حياتي. أشربُ فنجاني الثاني من القهوة هذا اليوم وأنظرُ للحائط، لا شيء يُلهمني لأكتبَ عنه لا شيء يُبهج تفكيري لأفخرَ به ولا ملاذ أهربُ إليه. أشعرُ أنني مُحاصرةٌ، وحيدة ٌوعاجزة. كُرّاسَاتي تلَتف حولي في مشهدٍ ذابل، أوراقها وقصائدها وكل ما فيها لا يعني لي شيئا في هذه اللحظة، وكأنها لا تَخُصني وكأنني لم أسهر أبدا برُفقتها أكتبُ فيها كلَّ شيءٍ وأي شيء، الجو خارج نافذتي عاصفيٌّ وحار أما هنا بالداخل فلا يستحق أن يُوصف.


        الصيف يوشك على الانتهاء، نُمضي فصل الشتاء مختبئين في معاطِفنا وستراتنا الصوفية، ننتظرُ الصيف بشوق ولهفةٍ وحين يأتي نراقبه بِعجزٍ وهو يُوشك على الانتهاء، يغادرنا ويغادرُ معه الكثير. في هذه السنين الأخيرة أتساءل ما الغاية من مجيء الخريف إذا كان كل شيء ذابلاً وباهتاً من البداية. لا تغويكم المناظرُ الساحرة والمشاعرُ الغامرة وبهجةُ الألوان، كلُّ شيء يتلاشى في لحظات، يَخْبُو الاهتمام والحب المُتقد وتتداخل الألوان فيما بينها حتى تنتهي؛ فَفِي العُمقِ.. كل شيء ذابل جدا، لهذا ماعادتْ تُغريني بهجة البدايات أصبحتُ أخشاها وأخشى ما يترتب عنها من أحلام وتوقعات ستسحقها الحياة لاحقا.


        في كل عام نرسم لأنفسنا طريقا سنسلكها وفي كل مرة تُجرجرنا الحياة في طريق مهجورة ومقفرة لم نكن نملك أدنى فكرة عن وجودها من الأساس. نجدُ أنفسنا في أماكنَ لا ننتمي إليها، نعلقُ في مواقف لا تليق بنا والأفظع من هذا قد تتسلل إلينا مشاعر نعلم جيدا أنها ستؤذينا، ستستنزفنا وتُرغمنا على القتال في معارك لا تستحق قطرة دم أو جهد. كل واحد منّا يُخطط لعامه في وقت معين، البعض يُفَضِّل رأس السنة، والبعض الآخر يواجهُ نفسه في بداية السنة الدراسية، وآخرون يُخططون عند انتهاء عطلتهم السنوية أما أنا فقد اعتدتُ في عيد ميلادي أن أتذكر توقعات العيد السابق، ماذا تمنيتُ وأنا أقوم بالطقس المعتاد.. اطفاء الشمعة، هل حققتُ شيئا من أحلامي؟ هل احتفظتُ بشيء جميل من السنة الماضية؟ كل خططي و انتظاراتي تمر أمام عينيَّ لحظتها، في هذا العيد الأخير ولأول مرة في حياتي لم أطفئ الشمعة، الأمر أربكني بشدة.


        قبل الانتهاء من فنجان القهوة الثاني أحاولُ أن أهربَ من كل ما سَبَق، ألتفتُ لفساتيني المعلقة، أتذكر فرحة كل فستان على حِدَةٍ، ألوانها تعبق بروائح الأمكنة والمشاعر، كنتُ طفلة عنيدة تكره الفساتين ويُغريها الكعب العالي وأصبحت امرأة لا تُطيقُ ألم الكعب العالي وتُحِبُّ الفساتين وتنتظرُ مناسبات معينة لترتديها، مناسبات تليق بها. ولكن كما أخبرتكم.. الجو خارج نافذتي عاصفيٌّ وحار..


في  ١٦  آب ٢٠٢٠

 

0 تعليقات