كنتُ
أشعرُ أن خطواتي تتثاقل كلما فكرنا في المشي حتى نهاية الرصيف، كأنني إذا وصلتُ
إليه سيتلاشى كل شيء حولنا وأستيقظُ من هذا الحلم كأن شيئا لم يكن. لا أدرى
بالتحديد ما الذي خَلَق هذا التخوف الغريب بداخلي، لكنني غالبا ما أثقُ في حدسي
مهما بدا غير منطقي. لهذا استسلمتُ لثقل خطواتي ورفضتُ أن أقاومه.. اكتفيتُ
بمشاهدة الغروب من بعيد، خطوات العشاق وهي تقترب من نهاية الرصيف بفرح وشوق وبعض
الارتباك، أطفال تلاحق كرات ملونه وطائرات ورقية، رجل يدخن وحيدا بمحاذاة
الموج. كان طعم القهوة السوداء ما يزال في فمي، يتشبثُ به حلقي كأنه يعلم جيدا
أنها المرة الأخيرة.
كل
شيء بدا مُبهجا ومُذهلاً بشكل ساحر.. إلاّ نهاية الرصيف، كانت تبدو لي مُوحشةً
وتُشعرني بالرهبة لم أقوى حتى على النظر إليها لوقت طويل، أردتُ أن أبتعد وألاّ
ألتفت ورائي لكن نسائم الموج كانت تُدغدغ أذنيَ وتُخدرني..وقفنا طويلا أمام الموج
أو ربما كان خلفنا، بدا لي المشهد أشبه باللوحة التي أوشكتْ على الاكتمال ،
اختلطتْ الألوان حولنا وأنا المُشاهدة الوحيدة التي تمّ زرعها وسط المشهد رُغما
عنها، ذاكرتي ظَلّتْ تعزف لي لحنا حزينا حتى كِدتُ أبكي، لكني لم أفعل. كل شيء كان
مربكا خاصة مشاعري كانت قويةً وهائجة لدرجة مرعبة، لكنني أردتها أن تتفجر داخل
صدري إلى الأبد!
كان
الصوتُ اللئيم داخل رأسي يخبرني منذ اليوم الأول أن هذا الوقت سيمضي ولن يتكرر
أبدا، لن أسرقَ معي وأنا راحلة إلاّ الذكرى، أردتُ بشدة أن أكذّبه لكنه لطالما كان
محقا، كان الحقيقة الوحيدة وسط كل هذا الوهم. ولكن أخْبِرُوني.. كيف نقبلُ أن نعيش
الوهم؟ كيف نتبادل الوعود والعناقات ونحن على يقين أن الغد لن يأتي حتى لو أشرقت
الشمس؟ ربما بسبب الصوت الناعم داخل رأسنا ذاك الذي يهمس لنا أن نقفز وسط
الموج مهما بدا هائجا، إنهُ الصوتُ الناعمُ الذي سيقودنا إلى حتفنا. كنتُ سأمشي
نحو حتفي بكل قوة وسعادة لو أمسكت يدي فقط وهمست لي أنك معي حتى النهاية! ولكني
عجزت عن المشي ولو خطوة واحدة نحو نهاية الرصيف.
الآن
وأنا أسقطُ وحدي..وأنا أكــــــــتُبُ كل هذا وحدي، بعيدا عن البحر وأبعد من أي
وقت مضى عن الحلم، أجدني ألوم التوقعات كالعادة، فككل البدايات، رفعتَ سقفَ
التوقعات عاليا، لم تكنْ تدري أنك تُعلقُ جسدي النحيل في ذات السقف! عندما
كنتَ تُعلقني دون أن تدري شعرتُ أنني أحلق، رسمتُ من يديكَ الغليظتين جناحين
بلون عيونك، خطتهما على ظهري وتحملت الألم دون تذمر، كان التحليق في
سمائك أشد ألما من الغرق، لذا.. حين سحبتَ يديك من خلف ظهري وانخلعتْ
الأجنحة، لم يُوجعني السقوط كثيرا!
تغير طعم القهوة السوداء بعد السقوط، تضاءل شوقي وغاب الصوت الناعم داخل رأسي، لم أعد أخشى نهاية الرصيف، رغم أنها تزورني من حين لآخر في كوابيسي وتحدق فيّ بلؤم يُشتت الروح.اذا عدتُ إلى هناك سأمشي نحوها بكل ثقة .. سأخبرها بكل التفاصيل التي لا يجوز أن تُكتب، سأعانق خوفي وحدي. نهاية الرصيف لم تُبنى للعشاق من الأساس، لقد شُيّدتْ لتشْهَد السُّقوط، لتكتبَ كلمة النهاية وتسخر مِمَّنْ يُعلق نفسه بكامل رغبته في سقف التوقعات العالي.لم أنتبه وأنا أشاهد الغروب معك حينها أنها تُعانق الرجل الذي كان يدخن وحيدا بمحاذاة الموج لم أعرف حينها أنها كانت في انتظاري إلاّ أنَّ موعدنا لم يحن بعد.. ولأنني أقدسُ الوعود، هي لن تُمانع الانتظار.
الحدود المغربية الجزائرية في ٣ حزيران ٢٠٢٢
0 تعليقات