سحر الرسائل الورقية
أول شيء نفكر فيه حين
نسمع "رسالة ورقية" هو الحب.. ربما هو الخوف من المواجهة في البداية،
يميل العشاق للكتابة، البوح أسهل حين يكون على الورق. ولو أنني لا أجد ما فعلته
غادة السمان أخلاقيا حين نشرت رسائل غسان كنفاني في كتابها "رسائل الحنين إلى
الياسمين" إلاّ أن تلك الرسائل بكل ما تحمله من حب و ألم تصل للقلب بسلاسة،
كأنّ الصدق يفوح من جنباتها، أَقتبس من الكتاب:
"إنني أريدك
بمقدار ما لا أستطيع أخذك، وأستطيع أن اخذك بمقدار ما ترفضين ذلك وأنت ترفضين ذلك
بمقدار ماتريدين الاحتفاظ بنا معاً، وأنت وأنا نريد أن نظل معا بمقدار ما يضعنا
ذلك في اختصام دموي مع العالم.. إنها معادلة رهيبة، ورغم ذلك فأنا أعرف بأنني لست
أنا الجبان، ولكنني أعرف بأن شجاعتي هي هزيمتي، فأنت تحبين فــيّ أنني استطعت إلى
الآن أن لا أخسر عالمي ، وحين أخسره سأخسرك، ومع ذلك فأنا أعرف أنني إذا خسرتك
خسرته."
ما سر هذه القوة التي
يمنحها الورق، هذه القوة التي تتلاشى أمام شاشات هواتفنا الغبية، قد يكون السبب هو
المجهود الذي تتطلبه كتابة رسالة، والطقوس المتعبة، اختيار الظرف والورقة والطابع
البريدي، ثم الجلوس في مكان بعيد قليلا عن الازعاج، حتى القلم مهم جدا، أو هكذا يُخَيّلُ
لنا. البداية دوما صعبه، ولكن شلال البوح يفيض بعدها، تجد أنك تتذكر كل التفاصيل
التي ظننتَ أنها غادرتْكَ، تكتشف أنك جريء جدا وصريح، لأنك مهما كتبت لن يأتيك
الرد حينها كالرسائل النصية، تأخذ وقتك وتفكر على مهلك..وتستطيع دوما أن تُخرجَ
ورقة جديدة وتبدأ من الصفر.
يكمن سحر بعض الرسائل
في غموضها، وحده من كُتبت لأجله يستطيع فكّ طلاسمها، قد لا تعني شيئا لأحد ما ولكنها
غالية جدا بين يديْ من اُرسلتْ إليه. فالرسالة تُقرأُ على مهل مثلما كتُبتْ على
مهل. ويمكننا إعادة فتحها و الغرق فيها مرارا وتكرارا رغم مرور الزمن. وأنت تحملها
بين يديك تشعر أنك تحتضن من كتبها، تسمع صوته بين الكلمات تشتم عطره فيها، ألا
يُسمى هذا سحرا؟
وجدة في ٦ / ١١ / ٢٠١٩
1 تعليقات
رائعة يا ندى
ردحذف